(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
كتاب الروض المربع الجزء الثاني
103997 مشاهدة
باب الفدية

بسم الله الرحمن الرحيم.
قال الشارح -رحمه الله تعالى- باب الفدية أي: أقسامها وقدر ما يجب، والمستحق لأخذها يخير في فدية أي: في فدية حلق فوق شعرتين، وتقليم فوق ظفرين وتغطية رأس وطيب ولبس مخيط بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين مُدّ بُرّ أو نصف صاع من تمر أو شعير أو ذبح شاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة: لعلك آذاك هوام رأسك؟ قال: نعم يا رسول الله فقال: احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك شاة متفق عليه وأو للتخيير وألحق الباقي بالحلق.


بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد هذا هو باب الفدية، وأصلها: من فديت الشيء يعني: جعلت له بدلا، وأصلها: من فدية الإنسان لنفسه، ومنه قوله تعالى: لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وكذلك قوله: وَلَوِ افْتَدَى بِهِ يعني: دفعه فدية.
والأصل في هذا الباب قوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ وقوله في الحج: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ففدية المحظورات تسمى: فدية وفدية الصيد تسمى: جزاء أخذا من الأدلة، فيقال: باب الفدية وباب جزاء الصيد، ولكن الشارح والماتن هنا جعلاها في باب واحد؛ لأن الجميع يشترك في كونه عملا يعمله مقابل محظور من المحظورات، وقد تقدم في المحظورات ما له فدية.
فإنه ذكر المحظورات التسع فذكر محظور حلق الرأس؛ قال: إذا حلق أكثر من شعرتين فدى، ومحظور تقليم الأظفار: إذا قلم أكثر من ظفرين فدى، ومحظور تغطية الرأس: إذا غطى رأسه بملاصق، يعني: بما يستره وبما يلبس عادة فدى، ومحظور لبس المخيط: إذا لبس مخيطا مما يفصل على البدن أو على جزء من البدن فدى، ومحظور الطيب: إذا طيب بدنه أو طيب لباسه بعد الإحرام بعد عقد الإحرام فدى، وذكر محظور جزاء الصيد، وسيأتي جزاء الصيد بما له مثل، وهنا ذكر ما يخير فيه: أنه إذا كان له مثل فإنه يذبح المثل، يأتينا قوله: في النعامة بدنة إلى آخره.
وذكر أن عقد النكاح في الإحرام لا فدية له ولكنه لا ينعقد، وذكر أن الجماع يبطل الإحرام وفيه فدية وبينها في هذا الباب، وأن مقدماته كالمباشرة والقبلة فيها فدية، ولكنها أقل ولا يفسد الإحرام. فعرف بذلك أن المحظورات كلها فيها فدية إلا عقد النكاح.
في هذا الباب ذكر خمسة فديتها واحدة: الحلق، والتقليم، وتغطية الرأس، ولبس المخيط، والطيب، فديتها واحدة وهي أنه يخير بين ثلاثة أشياء: والدليل قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ كلمة أو للتخيير، هذا الأصل فيها؛ فهو مخير بين هذه الثلاثة إذا فعل هذا الحلق.
والأصل في ذلك قصة كعب بن عجرة أحرم يوم الحديبية سنة ست، وكانوا أحرموا من المدينة من ذي الحليفة وكان عليه جنة رأس، وكان بعيد العهد بالنظافة؛ بتنظيف شعره فكثر فيها القمل، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم أو جيء به إليه، وإذا رأسه ممتلئ من هذا القمل، وإذا القمل يتناثر على وجهه فقال: أيؤذيك هوامك؟ -يعني هذا القمل- قال: نعم وفي رواية: ما أظن البلاء بلغ بك ما أري ما كنت أظن أن البلاء وصل بك إلى هذا الأمر؛ فعند ذلك أباح له الحلق قبل أن يتحللوا. أمره بأن يحلق رأسه ليزيل عنه هذه الحكة وهذا القمل، وأمره بأن يفتدي ونزلت الآية، الآية فيها فدية مجملة ولكنها بُينت في السنة.
الآية فيها مِنْ صِيَامٍ بينت السنة أنه ثلاثة أيام، ثلاثة أيام. هذا الصيام المجمل. بُيِّن أنه صيام ثلاثة أيام: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ الصدقة مجملة، وبين في الحديث أنها: إطعام ستة مساكين، أَوْ نُسُكٍ والنسك أيضا مجمل وبين في السنة أنه ذبح شاة أو سُبع بدنة أو سُبع بقرة.
فالعلماء ألحقوا بهذه الثلاثة، ألحقوا بها أربعة يعني: ألحقوا تقليم الأظفار بالحلق، والجامع بينهما: أن هذا إزالة أذى يعني: حلق الرأس، والتقليم قد يكون فيه فائدة أيضا أنه إزالة أذى قد تكون الأظفار تؤذيه فيقلمها، وألحقوا به تغطية الرأس لأنه ترفه وانتفاع كما أن حلق الرأس فيه شيء من الترفه، فكذلك يقال في الحلق. الحلق ترفه وتغطية الرأس ترفه؛ ففيه أيضا الفدية التي في الحلق، كذلك لبس المخيط: إذا لبس قميصا أو جبة أو سراويل أو فانلة؛ يعني: شيء مما يفصل على البدن فقد تنعم وترفه في حالة الإحرام فيلحق بحلق الرأس فتكون عليه الفدية التي في فدية حلق الرأس.
كذلك الطيب تنعم، فإنه إذا تطيب فقد يكتسب قوة ويكتسب رائحة عطرة ويكتسب نشاطا، فيكون هذا من التلذذ في الحياة، فيكون فيه فدية. فديته هي: فدية حلق الرأس، فأصبحت هذه الخمسة فديتها واحدة مع أنه ما ورد إلا واحدة منهن وهي الحلق، ذكرت في القرآن وبينت في السنة، فقيس عليها من باب الاجتماع في السبب هذه الأربع.
فعلى هذا إذا حلق رأسه وغطاه وقلم أظفاره وتطيب ولبس المخيط، فعليه خمس فديات ؛ لأنه فعل خمس محظورات، فإما أن يذبح خمسا من الغنم، وإما أن يتصدق على ثلاثين مسكينا: كل فدية ستة، خمس فديات مجموعها ثلاثون، وإما أن يصوم خمسة عشر يوما. كل فدية عنها ثلاثة أيام. نعم.